فقالوا: إنّ له بينة فأرسلوا معه فأتى الشجرة والبقعة فقال لهما: نشدتكما بالله جلّ وعزّ أشهدكما يونس صلّى الله عليه وسلّم قالتا: نعم، قال: فرجع القوم مذعورين. يقولون: شهدت له الشجرة والأرض فأتوا الملك فأخبروه بما رأوا، قال عبد الله: فتناول الملك بيد الغلام فأجلسه في مجلسه فقال: أنت أحقّ بهذا المكان منّي، قال عبد الله: فأقام لهم ذلك الغلام أمرهم أربعين سنة. فقد تبيّن في هذا الحديث أن يونس صلّى الله عليه كان قد أرسل قبل أن يلتقمه الحوت بهذا الإسناد الذي لا يؤخذ بالقياس. وفيه أيضا من الفائدة أن قوم يونس صلّى الله عليه آمنوا وندموا قبل أن يروا العذاب لأن فيه أنه أخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كلّ والدة وولدها، والفاء في اللغة تدلّ على أن الثاني يلي الأول فكان حكم الله جلّ وعزّ فيهم كحكمه في غيرهم في قوله جلّ وعزّ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غافر: 85] ، وقال جلّ ثناؤه وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ [النساء: 18] الآية وقد قال بعض العلماء: إنهم رأوا مخايل العذاب فتابوا. قال أبو جعفر: وهذا لا يمتنع فأما قوله عزّ وجلّ: إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ [يونس: 98] فهو استثناء ليس من الأول. وقد ذكرنا معنى أَوْ يَزِيدُونَ وقول الفراء «1» أنها بمعنى «بل» ، وقول غيره أنها بمعنى الواو. وأنه لا يصحّ هذان القولان، لأن «بل» ليس هذا من مواضعها، لأنها للإضراب عن الأول والإيجاب لما بعده. وتعالى الله عز وجل عن ذلك أو الخروج من شيء إلى شيء، وليس هذا موضع ذلك. والواو معناها خلاف معنى «أو» فلو كانت إحداهما بمعنى الأخرى لبطلت المعاني، ولو جاز ذلك لكان وأرسلناه إلى أكثر من مائة ألف أخصر، وفي الآية قولان سوى هذين: أحدهما أنّ المعنى وأرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم هم مائة ألف أو أكثر، وإنّما خوطب العباد على ما تعرفون، والقول الآخر أنه كما تقول: جاءني زيد أو عمرو، وأنت تعرف من جاءك منهما إلّا أنك أبهمت على المخاطب.
[سورة الصافات (37) : الآيات 148 الى 149]
فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
وفي قراءة ابن مسعود فآمنوا فمتعناهم حتى حين «2» والمعنى واحد.
فَاسْتَفْتِهِمْ قال أبو إسحاق: أي فاسألهم سؤال توبيخ وتقرير أَلِرَبِّ